رجال في الظل (قصة ) 3

-الملف امامي يؤكد انك ( آدمي) . ليست لك سوابق و اعمال تخريبيه .

لم تعتقل قبل الآن و هذا امر نادر لشاب في عمرك .

ماذا حصل ؟ هل لعب المشاغبين و المخربين بعقلك؟

كان الرجل القصير الذي كاد رأسه يختفي خلف الطاوله ، يتحدث بلغة عربية واضحه

إلا من لتغه في حرف الراء . عرفت من بدلته العسكريه و النجوم على كتفيه انه ضابط

و محقق عسكري . و كنت قد سمعت عن اساليبهم و خداعهم في التحقيق ، و محاولات

استدراجهم للمعتقلين لتقديم معلومات بالترغيب و الترهيب . كنت أتساءل

كيف يضع القلنسوه و قد اختفى الشعر و بدت صلعته قد امتدت في كل الاتجاهات

حتى ان القليل المتبقي خلف الرأس لا يكاد يرى . اخذت اخمن من اي بلد جاء ،

و لماذا ترك البلاد التي نشأ و ترعرع بها و هاجر الى هنا . أي لغة يتكلم غير العبرية

و العربيه ، هل في قلبه بقية انسان ام هو كأقرانه من الجلادين الذين نراهم كل يوم ؟؟؟

كنت اود التحدث بالانكليزية التي استطيع التفاهم مع غير العرب بها ، لاني شعرت

ان حديثي بالعربية مع هذا الخبيث هو اهانة للغة القرآن العظيمه ، لكني كنت اعرف

انه ليس لي الخيار بذلك . انه يريد ان يوحي لي ان( الآدمي) هو الهامشي ، الذي لا علاقة

له بقضايا شعبه . و ان كل من يقف في وجه الاحتلال و التعسف و الاجرام هو مشاغب و مخرب !

- ما بك ، ألم تسمع ؟

قال هذه المرة بنبرة مختلفة و بصوت عال . كأنه يعيدني الى المكان و الى الزمان .

- نعم .. ماذا تريد ؟

- سألتك من لعب بعقلك ، و جعلك تشارك بالمشاغبات .

- مشاغبات ! قلت بشئ من التعجب

- نعم ، المشاغبات التي قمت بها انت و زملائك الارهابين . بالاعتداء على رجال

الشرطة و محاولة قتلهم بالحجارة .

- و هل الدفاع عن اراضي الفلاحين التي تعتدون عليها انتم و مستوطنيكم تسمى بقاموسكم

مشاغبة ، و هل استعمال الحجارة مقابل الرصاص و القنابل التي تلقونها تعتبر اعتداءات ؟

- كنت افكر انك افضل من هيك . تبين لي انك ( أزعر ) مثل البقية .

- نحن هنا في ارضنا و بلادنا ، لم نعتد على احد ، اننا ندافع عن اراضينا .

- فكرت انك عاقل و ستتعاون معنا حتى نتركك تذهب الليلة الى بيتك و اهلك .

- انا عاقل ، بل اني عرفت اليوم الفرق بين العاقل و المستهتر . بين الذي يعيش

حياة شعبه و آلامه و بين الهامشي الرعديد الذي يتجنب الواقع ليكون في عيونكم ( آدمي ) .

نظر مليا في الاوراق امامه ، قلب بعض الصفحات ، و كتب أشياء لا اعرفها . نظر الي نظرة

الوحش المفترس ، حيث انقلبت الابتسامة الماكرة التي اصطنعها عند دخولي الى

تكشيرة حادة ظهر من خلالها الغضب و الوعيد .

- يوسي - يوسي . نادى رجل بلباس مدني ، يحمل مسدسا على وسطه

همس اليه بالعبرية ، و اعطاه بعض الاوراق التي كانت امامه ، و خرج فورا .

رأيت للمرة الاولى قامته القصيره ، قلت في سريرتي : آه لو اتمكن منك ؟!

- تعال . شدني العسكري الذي يرتدي الملابس المدنية من يدي المكبلتين .

كدت اقع لان قدمي كانتا ايضا مكبلتين بجنزير ثقيل ، فلما شدني خطت رجلي

اليمنى الى مسافة اكثر مما ينبغي ، لكنه امسك بزندي قبل ان ارتطم بالارض .

عصب عيني من جديد ، و جعلني امشي في رواق طويل ، نالتني خلالها بعض

الضربات و الركلات منه او من آخرين كان يحييهم بالعبرية . ما عدى الشتائم

التي طالتني و طالت العرب و الفلسطينيين .

دفعني الى داخل سيارة جيب مقفلة من كل الجهات . فعلمت ان وجهتي الى مكان

آخر من اماكن العذاب ، التي تنتشر في طول و عرض بلادنا .


يتبع